كتب الزميلنزار الأكحل مقالاً لصحيفة الجمهورية التونسية عن مواطنه نصر الدين النابي المدير الفني الجديد للهلال قصدنا من الموقع الرسمي للنادي تقديمه كخدمه لزوار الموقع ….
تعرّفتُ على الرجل مؤخرا عندما كان في معسكر تدريبي في الدوحة لفريقه الجديد الهلال السوداني، كان يبدو على محياه نوع من التحدي والطيبة في الآن ذاته، قصته الغريبة حملتني لأكتب لأول مرة عن شخص بعينه وعن رغبته في تحدي التاريخ والجغرافيا في كتابة مشوار مدرب – حتى لا يفهم البعض هذا الاشهار بعينٍ أخرى- السيد نصر الدين النابي منذ أن غادر تونس مهاجرا إلى بلجيكا عاش هناك وتحصل على دبلوم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ثم درب الفئات العمرية لنادي اندرلخت البلجيكي، قد يقول البعض أن الأمر عاديٌ ويحدث لعديدين، لكن المعني لم يكتف بذلك وهنا تبدأ القصة. الرجل أراد أن يعود يوما ما إلى بلاده، لكن البوابة التي اختارها إلى القارة الافريقية من جنوبها وليس شمالها. جميع التجارب التي عهدناها لمدربينا كانت الخروج إلى دور الجوار أو إذا بعُدت المسافة إلى الخليج العربي، لم نسمع قط برجل ترحل نحو جنوب القارة السمراء وتوغل في أدغالها بحثا عن مجد أو بعض حظٍ لم يعترض سبيله في بلاده.
نحو الكونغو الديمقراطية كانت الوجهة، أمر غريب صراحة. عندما جلست للرجل وحدثني عن تلك التجربة الإنسانية قبل الرياضية ورغم عدم مردوديتها المالية، عرفت منه أن الإصرار والتحدي كانا الفيصل في الأمر كله، فرق فيتا كلوب، موتيما بيمي.. ليوبارد وأسماء أندية كانت تمثل لنا معشر الصحفيين الرياضيين مجرد اسم لناد يشارك في إحدى المسابقات الإفريقية أو تمثل رحلة يوم أو يومين لأحد أنديتنا المشاركة في هذه المسابقات، لكن عندما يتعلق ويتطلب منك أن تعيش أياما وليالي وأشهرا في أقاصي الأحراش في قرىً لا يتوفر فيها حتى فندق بسيط، مع غياب جميع متطلبات الحياة والأكل والتواصل الاجتماعي فتلك قمة التحدي الذي رواها لي محدثي. كان يقول لي أحيانا «انسى اني أتحدث العربية»، وعندما يحدث وأن يكون منافسي فريقا عربيا في إحدى المسابقات الإفريقية تكون سعادتي غامرة لدرجة أن مسؤولي فريقه يشكّون في أمري. رحلة تحدي السيد نصر الدين دامت سنوات وجازته الأقدار على جهده بلقب كأس الاتحاد الإفريقي مع ليوبارد الانغولي قبل نحو سنتين، لقبٌ عجزت عن نيله عديد الأسماء الكبيرة في نوادٍ وظروف تونسية صرفة، فما بالك برحلة في الأدغال؟. الرجل قاده هذا النصر وبعضُ الأيام الجميلة التي خلفَـَتْ أخرى مرهقة إلى السودان، نحو اسم كبير من نوادي العالم العربي، الهلال بجماهيريته الصاخبة وعشق جنوني لا في الخرطوم فقط بل يمتد إلى ملايين المتابعين من مهاجري السودان في الخليج العربي، التحدي الآن، تحول بالنسبة له إلى حلم بدأت تنسج معالمه تدريجيا في قصة الرجل الغريبة…
هناك على ضفاف النيل يقول « صرت أخاف على حلمي من قوة عشق الجماهير، لذلك اجتهد رغم التعب الكبير وأحاول قدر الإمكان مواصلة الطريق بكل حرص،و لا أقول أنني بلغت المنشود « إلى حدود تلك الكلمات انتهى اللقاء لكن القصة بقيت في ذهني عن هذا المتحدي الغريب، المختلف عن بقية المدربين، هو اختار الطريق العكسية تماما.. قد يقول البعض هو وصل مبتغاه وآخرون قد يقولون انه في منتصف الطريق، بينما ما يهمني كصحفي هو الملاحظة، أن تاريخ المدربين لا يبدأ دائما بنفس المشوار بل ان الطرق والطرائق تختلف.. هناك الحظ والأقدار وهناك كرة ترتطم بالقائم والعارضة وتحدد المصير، لكن الرجال يختلفون.. والرحلة وتضاريسها أيضا.